فصل: مِيرَاثُ الزَّوْجَاتِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بداية المجتهد ونهاية المقتصد (نسخة منقحة)



.كِتَابُ الْفَرَائِضِ:

وَالنَّظَرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، فِيمَنْ يَرِثُ، وَفِيمَنْ لَا يَرِثُ. وَمَنْ يَرِثُ هَلْ يَرِثُ دَائِمًا، أَوْ مَعَ وَارِثٍ دُونَ وَارِثٍ، وَإِذَا وَرِثَ مَعَ غَيْرِهِ فَكَمْ يَرِثُ وَكَذَلِكَ إِذَا وَرِثَ وَحْدَهُ كَمْ يَرِثُ؟
وَإِذَا وَرِثَ مَعَ وَارِثٍ، فَهَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِحَسَبِ وَارِثٍ وَارِثٍ أَوْ لَا يَخْتَلِفُ؟
وَالتَّعْلِيمُ فِي هَذَا يُمْكِنُ عَلَى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ قَدْ سَلَكَ أَكْثَرَهَا أَهْلُ الْفَرَائِضِ، وَالسَّبِيلُ الْحَاضِرَةُ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يُذْكَرَ حُكْمُ جِنْسٍ جِنْسٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْوَرَثَةِ إِذَا انْفَرَدَ ذَلِكَ الْجِنْسُ، وَحُكْمُهُ مَعَ سَائِرِ الْأَجْنَاسِ الْبَاقِيَةِ، مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يُنْظَرَ إِلَى الْوَلَدِ إِذَا انْفَرَدَ كَمْ مِيرَاثُهُ، ثُمَّ يُنْظَرَ حَالُهُ مَعَ سَائِرِ الْأَجْنَاسِ الْبَاقِيَةِ مِنَ الْوَارِثِينَ. فَأَمَّا الْأَجْنَاسُ الْوَارِثَةُ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ: ذُو نَسَبٍ، وَأَصْهَارٌ، وَمَوَالِي. فَأَمَّا ذَوُو النَّسَبِ، فَمِنْهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَمِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا. فَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا الأجناس الوارثة فَهِيَ الْفُرُوعُ (أَعْنِي: الْأَوْلَادَ)، وَالْأُصُولُ (أَعْنِي: الْآبَاءَ وَالْأَجْدَادَ) ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا، وَكَذَلِكَ الْفُرُوعُ الْمُشَارِكَةُ لِلْمَيِّتِ فِي الْأَصْلِ الْأَدْنَى: (أَعْنِي: الْإِخْوَةَ ذُكُورًا أَوْ إِنَاثًا، أَوِ الْمُشَارِكَةَ الْأَدْنَى أَوِ الْأَبْعَدَ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُمُ الْأَعْمَامُ وَبَنُو الْأَعْمَامِ)، وَذَلِكَ الذُّكُورُ مِنْ هَؤُلَاءِ خَاصَّةً فَقَطْ، وَهَؤُلَاءِ إِذَا فُصِّلُوا كَانُوا مِنَ الرِّجَالِ عَشَرَةً وَمِنَ النِّسَاءِ سَبْعَةً. أَمَّا الرِّجَالُ: فَالِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفُلَ، وَالْأَبُ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا، وَالْأَخُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَ (أَعْنِي: لِلْأُمِّ وَالْأَبِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا)، وَابْنُ الْأَخِ وَإِنْ سَفُلَ، وَالْعَمُّ وَابْنُ الْعَمِّ وَإِنْ سَفُلَ، وَالزَّوْجُ، وَمَوْلَى النِّعْمَةِ.
وَأَمَّا النِّسَاءُ: فَالِابْنَةُ وَابْنَةُ الِابْنِ وَإِنْ سَفُلَتْ، وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ وَإِنْ عَلَتْ، وَالْأُخْتُ، وَالزَّوْجَةُ، وَالْمَوْلَاةُ.
وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِمْ الأجناس الوارثة فَهُمْ ذَوُو الْأَرْحَامِ، (وَهُمْ مَنْ لَا فَرْضَ لَهُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا هُمْ عُصْبَةٌ)، وَهُمْ بِالْجُمْلَةِ بَنُو الْبَنَاتِ، وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ، وَبَنُو الْأَخَوَاتِ، وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ، وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأُمِّ فَقَطْ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ، وَالْعَمَّاتُ، وَالْخَالَاتُ، وَالْأَخْوَالُ. فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهُمْ. وَذَهَبَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ، وَفُقَهَاءُ الْعِرَاقِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَجَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ مِنْ سَائِرِ الْآفَاقِ إِلَى تَوْرِيثِهِمْ. وَالَّذِينَ قَالُوا بِتَوْرِيثِهِمُ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ تَوْرِيثِهِمْ، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى تَوْرِيثِهِمْ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ، وَذَهَبَ سَائِرُ مَنْ وَرَّثَهُمْ إِلَى التَّنْزِيلِ (وَهُوَ أَنْ يُنَزَّلَ كُلُّ مَنْ أَدْلَى مِنْهُمْ بِذِي سَهْمٍ أَوْ عَصَبَةٍ بِمَنْزِلَةِ السَّبَبِ الَّذِي أَدْلَى بِهِ). وَعُمْدَةُ مَالِكٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ أَنَّ الْفَرَائِضَ لَمَّا كَانَتْ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا كَانَ الْأَصْلُ أَنْ لَا يَثْبُتَ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ مَعْدُومٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَأَمَّا الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ، فَزَعَمُوا أَنَّ دَلِيلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ.
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} وَاسْمُ الْقَرَابَةِ يَنْطَلِقُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَيَرَى الْمُخَالِفُ أَنَّ هَذِهِ مَخْصُوصَةٌ بِآيَاتِ الْمَوَارِيثِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَاحْتَجُّوا بِمَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ».
وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْقُدَمَاءَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالُوا: إِنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْلَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّهُمْ قَدِ اجْتَمَعَ لَهُمْ سَبَبَانِ: الْقَرَابَةُ وَالْإِسْلَامُ، فَأَشْبَهُوا تَقْدِيمَ الْأَخِ الشَّقِيقِ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ (أَعْنِي: أَنَّ مَنِ اجْتَمَعَ لَهُ سَبَبَانِ أَوْلَى مِمَّنْ لَهُ سَبَبٌ وَاحِدٌ).
وَأَمَّا أَبُو زَيْدٍ وَمُتَأَخِّرُو أَصْحَابِهِ فَشَبَّهُوا الْإِرْثَ بِالْوِلَايَةِ وَقَالُوا: لَمَّا كَانَتْ وِلَايَةُ التَّجْهِيزِ وَالصَّلَاةِ وَالدَّفْنِ لِلْمَيِّتِ عِنْدَ فَقْدِ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ لِذَوِي الْأَرْحَامِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْإِرْثِ، وَلِلْفَرِيقِ الْأَوَّلِ اعْتِرَاضَاتٌ - فِي هَذِهِ الْمَقَايِيسِ - فِيهَا ضَعْفٌ. وَإِذْ قَدْ تَقَرَّرَ هَذَا فَلْنَشْرَعْ فِي ذِكْرِ جِنْسٍ جِنْسٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْوَارِثِينَ، وَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجْرِي مَجْرَى الْأُصُولِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمَشْهُورَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفِ فِيهَا.

.مِيرَاثُ الصُّلْبِ:

وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مِيرَاثَ الْوَلَدِ مِنْ وَالِدِهِمْ وَوَالِدَتِهِمْ إِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا مَعًا هُوَ أَنَّ لِلذَّكَرِ مِنْهُمْ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَأَنَّ الِابْنَ الْوَاحِدَ إِذَا انْفَرَدَ فَلَهُ جَمِيعُ الْمَالِ، وَأَنَّ الْبَنَاتِ إِذَا انْفَرَدْنَ فَكَانَتْ وَاحِدَةً أَنَّ لَهَا النِّصْفَ، وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الِاثْنَتَيْنِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ لَهُمَا الثُّلُثَيْنِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لِلْبِنْتَيْنِ النِّصْفُ. وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ تَرَدُّدُ الْمَفْهُومِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} هَلْ حُكْمُ الِاثْنَتَيْنِ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ يَلْحَقُ بِحُكْمِ الثَّلَاثَةِ أَوْ بِحُكْمِ الْوَاحِدَةِ؟
وَالْأَظْهَرُ مِنْ بَابِ دَلِيلِ الْخِطَابِ أَنَّهُمَا لَاحِقَانِ بِحُكْمِ الْوَاحِدَةِ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْمَشْهُورَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ حَاتِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ». قَالَ فِيمَا أَحْسَبُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَقِيلٍ: قَدْ قَبِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حَدِيثَهُ وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ. وَسَبَبُ الِاتِّفَاقِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} إِلَى قَوْلِه: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}. وَأَجْمَعُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ عَلَى أَنَّ بَنِي الْبَنِينَ يَقُومُونَ مَقَامَ الْبَنِينَ عِنْدَ فَقْدِ الْبَنِينَ يَرِثُونَ كَمَا يَرِثُونَ وَيَحْجُبُونَ كَمَا يَحْجُبُونَ، إِلَّا شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: وَلَدُ الِابْنِ لَا يَحْجُبُونَ الزَّوْجَ مِنَ النِّصْفِ إِلَى الرُّبُعِ، كَمَا يَحْجُبُ الْوَلَدُ نَفْسَهُ وَلَا الزَّوْجَةَ مِنَ الرُّبْعِ إِلَى الثُّمُنِ، وَلَا الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِبَنَاتِ الِابْنِ مِيرَاثٌ مَعَ بَنَاتِ الصُّلْبِ إِذَا اسْتَكْمَلَ بَنَاتُ الْمُتَوَفَّى الثُّلُثَيْنِ. وَاخْتَلَفُوا إِذَا كَانَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ذَكَرٌ ابْنُ ابْنٍ فِي مَرْتَبَتِهِنَّ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُنَّ، فَقَالَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ: إِنَّهُ يُعَصِّبُ بَنَاتِ الِابْنِ فِيمَا فَضَلَ عَنْ بَنَاتِ الصُّلْبِ فَيُقَسِّمُونَ الْمَالَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَبِهِ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ أَنَّهُ إِذَا اسْتَكْمَلَ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ أَنَّ الْبَاقِيَ لِابْنِ الِابْنِ دُونَ بَنَاتِ الِابْنِ كُنَّ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ الذَّكَرِ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ دُونَهُ. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي هَذِه: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَاصِلُ لِلنِّسَاءِ أَكْثَرَ مِنَ السُّدُسِ فَلَا تُعْطَى إِلَّا السُّدُسَ. وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وَأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ وَلَدٌ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى، وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ ابْنُ الِابْنِ يُعَصِّبُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ فِي جُمْلَةِ الْمَالِ فَوَاجِبٌ أَنْ يُعَصِّبَ فِي الْفَاضِلِ مِنَ الْمَالِ. وَعُمْدَةُ دَاوُدَ وَأَبِي ثَوْرٍ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا أَبْقَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»، وَمِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَيْضًا أَنَّ بِنْتَ الِابْنِ لَمَّا لَمْ تَرِثْ مُفْرَدَةً مِنَ الْفَاضِلِ عَنِ الثُّلُثَيْنِ كَانَ أَحْرَى أَنْ لَا تَرِثَ مَعَ غَيْرِهَا.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ تَعَارُضُ الْقِيَاسِ وَالنَّظَرِ فِي التَّرْجِيحِ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ لَمَّا كُنَّ لَا يَرِثْنَ مَعَ عَدَمِ الِابْنِ أَكْثَرَ مِنَ السُّدُسِ لَمْ يَجِبْ لَهُنَّ مَعَ الْغَيْرِ أَكْثَرُ مِمَّا وَجَبَ لَهُنَّ مَعَ الِانْفِرَادِ، وَهِيَ حُجَّةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ حُجَّةِ دَاوُدَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ذَكَرَ وَلَدِ الِابْنِ يُعَصِّبُهُنَّ كَانَ فِي دَرَجَتِهِنَّ أَوْ أَطْرَفَ مِنْهُنَّ. وَشَذَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالَ: لَا يُعَصِّبُهُنَّ إِلَّا إِذَا كَانَ فِي مَرْتَبَتِهِنَّ. وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ الْمُتَوَفَّى بِنْتًا لِصُلْبٍ وَبِنْتَ ابْنٍ أَوْ بَنَاتِ ابْنٍ لَيْسَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ أَنَّ لِبَنَاتِ الِابْنِ السُّدُسَ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَخَالَفَتِ الشِّيعَةُ فِي ذَلِكَ فَقَالَتْ: لَا تَرِثُ بِنْتُ الِابْنِ مَعَ الْبِنْتِ شَيْئًا كَالْحَالِ فِي ابْنِ الِابْنِ مَعَ الِابْنِ، فَالِاخْتِلَافُ فِي بَنَاتِ الِابْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ: مَعَ بَنِي الِابْنِ، وَمَعَ الْبَنَاتِ فِيمَا دُونَ الثُّلُثَيْنِ وَفَوْقَ النِّصْفِ. فَالْمُتَحَصِّلُ فِيهِنَّ إِذَا كُنَّ مَعَ بَنِي الِابْنِ أَنَّهُ قِيلَ: يَرِثْنَ، وَقِيلَ: لَا يَرِثْنَ، وَإِذَا قِيلَ يَرِثْنَ فَقِيلَ يَرِثْنَ تَعْصِيبًا مُطْلَقًا، وَقِيلَ يَرِثْنَ تَعْصِيبًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنَ السُّدْسِ. وَإِذَا قِيلَ يَرِثْنَ فَقِيلَ أَيْضًا إِذَا كَانَ ابْنُ الِابْنِ فِي دَرَجَتِهِنَّ وَقِيلَ كَيْفَمَا كَانَ، وَالْمُتَحَصِّلُ فِي وِرَاثَتِهِنَّ مَعَ عَدَمِ ابْنِ الِابْنِ فِيمَا فَضَلَ عَنِ النِّصْفِ إِلَى تَكْمِلَةِ الثُّلُثَيْنِ قِيلَ: يَرِثْنَ، وَقِيلَ: لَا يَرِثْنَ.

.مِيرَاثُ الزَّوْجَاتِ:

وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مِيرَاثَ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ إِذَا لَمْ تَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ: النِّصْفُ، ذَكَرًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ أُنْثَى، إِلَّا مَا ذَكَرْنَا عَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَنَّهَا إِنْ تَرَكَتْ وَلَدًا فَلَهُ الرُّبُعُ. وَأَنَّ مِيرَاثَ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا إِذَا لَمْ يَتْرُكِ الزَّوْجُ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ: الرُّبُعُ، فَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ فَالثُّمُنُ. وَأَنَّهُ لَيْسَ يَحْجُبُهُنَّ أَحَدٌ عَنِ الْمِيرَاثِ وَلَا يَنْقُصُهُنَّ إِلَّا الْوَلَدُ، وَهَذَا لِوُرُودِ النَّصِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} الْآيَةَ.

.مِيرَاثُ الْأَبِ وَالْأُمِّ:

وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَبَ إِذَا انْفَرَدَ كَانَ لَهُ جَمِيعُ الْمَالِ، وَأَنَّهُ إِذَا انْفَرَدَ الْأَبَوَانِ كَانَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأَبِ الْبَاقِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْأَبَوَيْنِ مِنْ مِيرَاثِ ابْنِهِمَا إِذَا كَانَ لِلِابْنِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ السُّدُسَانِ، أَعْنِي أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ}. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الذَّكَرُ دُونَ الْأُنْثَى وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ مَنْ شَذَّ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَبَ لَا يُنْقَصُ مَعَ ذَوِي الْفَرَائِضِ مِنَ السُّدُسِ وَلَهُ مَا زَادَ.
وَأَجْمَعُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ يَحْجُبُهَا الْإِخْوَةُ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}. وَاخْتَلَفُوا فِي أَقَلَّ مَا يَحْجُبُ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ مِنَ الْإِخْوَةِ، فَذَهَبَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ الْحَاجِبِينَ هُمَا اثْنَانِ فَصَاعِدًا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَنَّهُمْ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا، وَأَنَّ الِاثْنَيْنِ لَا يَحْجُبَانِ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ، وَالْخِلَافُ آيِلٌ إِلَى أَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ. فَمَنْ قَالَ: أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ قَالَ: الْإِخْوَةُ الْحَاجِبُونَ ثَلَاثَةٌ فَمَا فَوْقُ. وَمَنْ قَالَ: أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ اثْنَانِ قَالَ: الْإِخْوَةُ الْحَاجِبُونَ هُمَا اثْنَانِ أَعْنِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ}، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى يَدْخُلَانِ تَحْتَ اسْمِ الْإِخْوَةِ فِي الْآيَةِ وَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا أَنْقُلُ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ بِالْأَخَوَاتِ الْمُنْفَرِدَاتِ، لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِنَّ اسْمُ الْإِخْوَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِمَوْضِعِ تَغْلِيبِ الْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ، إِذِ اسْمُ الْإِخْوَةِ هُوَ جَمْعُ أَخٍ، وَالْأَخُ مُذَكَّرٌ. وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِيمَنْ يَرِثُ السُّدُسَ الَّذِي تُحْجَبُ عَنْهُ الْأُمُّ بِالْإِخْوَةِ، وَذَلِكَ إِذَا تَرَكَ الْمُتَوَفَّى أَبَوَيْنِ وَإِخْوَةً، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: ذَلِكَ السُّدُسُ لِلْأَبِ مَعَ الْأَرْبَعَةِ الْأَسْدَاسِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذَلِكَ السُّدُسَ لِلْإِخْوَةِ الَّذِينَ حَجَبُوا، وَلِلْأَبِ الثُّلُثَانِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأُصُولِ مَنْ يَحْجُبُ وَلَا يَأْخُذُ مَا حُجِبَ إِلَّا الْإِخْوَةُ مَعَ الْآبَاءِ، وَضَعَّفَ قَوْمٌ الْإِسْنَادَ بِذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ الْقِيَاسُ. وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي الَّتِي تُعْرَفُ بِالْغَرَّاوَيْنِ، (وَهِيَ فِيمَنْ تَرَكَ زَوْجَةً وَأَبَوَيْنِ، أَوْ زَوْجًا وَأَبَوَيْنِ)، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: فِي الْأُولَى لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ، وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ، وَهُوَ الرُّبُعُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ وَهُوَ النِّصْفُ، وَقَالُوا فِي الثَّانِيَةِ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ وَهُوَ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ وَهُوَ السُّدُسَانِ، وَهُوَ قَوْلُ زِيدٍ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْأُولَى: لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ مِنْهُ أَيْضًا، لِأَنَّهَا ذَاتُ فَرْضٍ، وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ لِأَنَّهُ عَاصِبٌ، وَقَالَ أَيْضًا فِي الثَّانِيَةِ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ، لِأَنَّهَا ذَاتُ فَرْضٍ مُسَمًّى، وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ، وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي وَدَاوُدُ، وَابْنُ سِيرِينَ وَجَمَاعَةٌ. وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْأَبَ وَالْأُمَّ لَمَّا كَانَا إِذَا انْفَرَدَا بِالْمَالِ كَانَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأَبِ الْبَاقِي، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحَالُ كَذَلِكَ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمَالِ، كَأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنْ يَكُونَ مِيرَاثُ الْأُمِّ أَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِ الْأَبِ خُرُوجًا عَنِ الْأُصُولِ. وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الْآخَرِ أَنَّ الْأُمَّ ذَاتُ فَرْضٍ مُسَمًّى وَالْأَبَ عَاصِبٌ، وَالْعَاصِبُ لَيْسَ لَهُ فَرْضٌ مَحْدُودٌ مَعَ ذِي الْفُرُوضِ، بَلْ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ. وَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ طَرِيقِ التَّعْلِيلِ أَظْهَرُ، وَمَا عَلَيْهِ الْفَرِيقُ الثَّانِي مَعَ عَدَمِ التَّعْلِيلِ أَظْهَرُ، وَأَعْنِي بِالتَّعْلِيلِ هَهُنَا أَنْ يَكُونَ أَحَقُّ سَبَبَيِ الْإِنْسَانِ أَوْلَى بِالْإِيثَارِ (أَعْنِي: الْأَبَ مِنَ الْأُمِّ).

.مِيرَاثُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ:

وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ إِذَا انْفَرَدَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَنَّ لَهُ السُّدُسَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَأَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ عَلَى السَّوِيَّةِ، لِلذَّكَرِ مِنْهُمْ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَى سَوَاءً. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ أَرْبَعَةٍ: وَهُمُ الْأَبُ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا، وَالْبَنُونَ ذُكْرَانُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ، وَبَنُو الْبَنِينَ وَإِنْ سَفُلُوا ذُكْرَانُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} الْآيَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذِهِ الْآيَةِ هُمُ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ فَقَطْ. وَقَدْ قُرِئَ «وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ» وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا فِيمَا أَحْسَبُ هَاهُنَا عَلَى أَنَّ الْكَلَالَةَ هِيَ فَقْدُ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنَ النَّسَبِ (أَعْنِي: الْآبَاءَ وَالْأَجْدَادَ وَالْبَنِينَ وَبَنِي الْبَنِينَ).

.مِيرَاثُ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ:

وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ فَقَطْ يَرِثُونَ فِي الْكَلَالَةِ أَيْضًا.
أَمَّا الْأُخْتُ إِذَا انْفَرَدَتْ فَإِنَّ لَهَا النِّصْفَ وَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلْثَانِ، كَالْحَالِ فِي الْبَنَاتِ، وَإِنَّهُمْ إِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَحَالِ الْبَنِينَ مَعَ الْبَنَاتِ، وَهَذَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْكَلَالَةِ هَاهُنَا فِي أَشْيَاءَ وَاتَّفَقُوا مِنْهَا فِي أَشْيَاءَ يَأْتِي ذِكْرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ عَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ شَيْئًا، وَلَا مَعَ وَلَدِ الْوَلَدِ، وَلَا مَعَ الْأَبِ شَيْئًا. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، فَمِنْهَا: أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مَعَ الْبِنْتِ أَوِ الْبَنَاتِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُنَّ عُصْبَةٌ يُعْطَوْنَ مَا فَضَلَ عَنِ الْبَنَاتِ، وَذَهَبَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيُّ وَطَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الْأُخْتَ لَا تَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ شَيْئًا. وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ «إِنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسَ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ». وَأَيْضًا مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ لَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى تَوْرِيثِ الْإِخْوَةِ مَعَ الْبَنَاتِ، فَكَذَلِكَ الْأَخَوَاتُ. وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الْآخَرِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ} فَلَمْ يَجْعَلْ لِلْأُخْتِ شَيْئًا إِلَّا مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ، وَالْجُمْهُورُ حَمَلُوا اسْمَ الْوَلَدِ هَاهُنَا عَلَى الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ هَذَا الْبَابِ عَلَى أَنَّ الْأُخُوَّةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يَحْجُبُونَ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ عَنِ الْمِيرَاثِ قِيَاسًا عَلَى بَنِي الْأَبْنَاءِ مَعَ بَنِي الصُّلْبِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ حَسَنٍ مِنْ رِوَايَةِ الْآحَادِ الْعُدُولِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعِلَّاتِ». وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ إِذَا اسْتَكْمَلْنَ الثُّلُثَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ مَعَهُنَّ شَيْءٌ كَالْحَالِ فِي بَنَاتِ الِابْنِ مَعَ بَنَاتِ الصُّلْبِ، وَأَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَاحِدَةً فَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ مَا كُنَّ بَقِيَّةَ الثُّلُثَيْنِ وَهُوَ السُّدُسُ. وَاخْتَلَفُوا إِذَا كَانَ مَعَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ ذَكَرٌ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: يُعَصِّبُهُنَّ وَيَقْتَسِمُونَ الْمَالَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، كَالْحَالِ فِي بَنَاتِ الِابْنِ مَعَ بَنَاتِ الصُّلْبِ، وَاشْتَرَطَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ فِي دَرَجَتِهِنَّ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا اسْتَكْمَلَ الْأَخَوَاتُ الشَّقَائِقُ الثُّلُثَيْنِ فَالْبَاقِي لِلذُّكُورِ مِنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ دُونَ الْإِنَاثِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَخَالَفَهُ دَاوُدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، مَعَ مُوَافَقَتِهِ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ بَنَاتِ الصُّلْبِ وَبَنِي الْبَنِينَ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْنَ الثُّلُثَيْنِ، فَلِلذَّكَرِ عِنْدَهُ مِنْ بَنِي الْأَبِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَاصِلُ لِلنِّسَاءِ أَكْثَرَ مِنَ السُّدُسِ كَالْحَالِ فِي بِنْتِ الصُّلْبِ مَعَ بَنِي الِابْنِ. وَأَدِلَّةُ الْفَرِيقَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هِيَ تِلْكَ الْأَدِلَّةُ بِأَعْيَانِهَا. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ يَقُومُونَ مَقَامَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ عِنْدَ فَقْدِهِمْ، كَالْحَالِ فِي بَنِي الْبَنِينَ مَعَ الْبَنِينَ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ عَصَّبَهُنَّ، بِأَنْ يَبْدَأَ بِمَنْ لَهُ فَرْضٌ مُسَمًّى، ثُمَّ يَرِثُونَ الْبَاقِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَالْحَالِ فِي الْبَنِينَ إِلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهِيَ الْفَرِيضَةُ الَّتِي تُعْرَفُ بِالْمُشَرَّكَةِ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِيهَا، وَهِيَ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأُمِّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأَبِيهَا وَأُمَّهَا، فَكَانَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يُعْطُونَ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسَ، وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ، فَيَسْتَغْرِقُونَ الْمَالَ فَيَبْقَى الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِلَا شَيْءٍ، فَكَانُوا يُشْرِكُونَ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فِي الثُّلُثِ مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَبِالتَّشْرِيكِ قَالَ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ. وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ لَا يُشْرِكُونَ إِخْوَةَ الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي الثُّلُثِ مَعَ إِخْوَةِ الْأُمِّ فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ، وَلَا يُوجِبُونَ لَهُمْ شَيْئًا فِيهَا، وَقَالَ بِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَدَاوُدُ وَجَمَاعَةٌ. وَحُجَّةُ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يُشَارِكُونَ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ فِي السَّبَبِ الَّذِي بِهِ يَسْتَوْجِبُونَ الْإِرْثَ وَهِيَ الْأُمُّ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْفَرِدُوا بِهِ دُونَهُمْ، لِأَنَّهُ إِذَا اشْتَرَكُوا فِي السَّبَبِ الَّذِي بِهِ يُوَرَّثُونَ وَجَبَ أَنْ يَشْتَرِكُوا فِي الْمِيرَاثِ. وَحُجَّةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي أَنَّ الْإِخْوَةَ الشَّقَائِقَ عَصَبَةٌ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ إِذَا أَحَاطَتْ فَرَائِضُ ذَوِي السِّهَامِ بِالْمِيرَاثِ. وَعُمْدَتُهُمْ بِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ زَوْجًا وَأُمًّا وَأَخًا وَاحِدًا لِأُمٍّ وَإِخْوَةً شَقَائِقَ عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ أَنَّ الْأَخَ لِلْأُمِّ يَسْتَحِقُّ هَاهُنَا السُّدُسَ كَامِلًا، وَالسُّدُسُ الْبَاقِي بَيْنَ الْبَاقِينَ مَعَ أَنَّهُمْ مُشَارِكُونَ لَهُ فِي الْأُمِّ. فَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ فِي أَكْثَرِ مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ هُوَ تَعَارُضُ الْمَقَايِيسِ وَاشْتِرَاكُ الْأَلْفَاظِ فِيمَا فِيهِ نَصٌّ.

.مِيرَاثُ الْجَدِّ:

وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَبَ يَحْجُبُ الْجَدَّ وَأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ مَعَ الْبَنِينَ، وَأَنَّهُ عَاصِبٌ مَعَ ذَوِي الْفَرَائِضِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ الشَّقَائِقِ، أَوْ حَجْبِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ؟
الجد فَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَحْجُبُهُمْ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالْمُزَنِيُّ، وَابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَدَاوُدُ وَجَمَاعَةٌ. وَاتَّفَقَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى تَوْرِيثِ الْإِخْوَةِ مَعَ الْجِدِّ، إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ عَلَى مَا أَقُولُهُ بَعْدُ.
وَعُمْدَةُ مَنْ جَعَلَ الْجَدَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ اتِّفَاقُهُمَا فِي الْمَعْنَى (أَعْنِي مِنْ قِبَلِ أَنَّ كِلَيْهِمَا أَبٌ لِلْمَيِّتِ) وَمِنِ اتِّفَاقِهِمَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي أَجْمَعُوا عَلَى اتِّفَاقِهِمَا فِيهَا حَتَّى إِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَمَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا، وَلَا يَجْعَلُ أَبَ الْأَبِ أَبًا. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي أَحْكَامٍ أُخَرَ سِوَى الْفُرُوضِ، مِنْهَا أَنَّ شَهَادَتَهُ لِحَفِيدِهِ كَشَهَادَةِ الْأَبِ وَأَنَّ الْجَدَّ يَعْتِقُ عَلَى حَفِيدِهِ كَمَا يَعْتِقُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ، وَأَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ لَهُ مِنْ جَدٍّ كَمَا لَا يُقْتَصُّ لَهُ مِنْ أَبٍ. وَعُمْدَةُ مَنْ وَرَّثَ الْأَخَ مَعَ الْجَدِّ أَنَّ الْأَخَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَيِّتِ مِنَ الْجَدِّ، لِأَنَّ الْجَدَّ أَبُو أَبِي الْمَيِّتِ، وَالْأَخَ ابْنُ أَبِي الْمَيِّتِ، وَالِابْنُ أَقْرَبُ مِنَ الْأَبِ. وَأَيْضًا فَمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ ابْنَ الْأَخِ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَمِّ، وَهُوَ يُدْلِي بِالْأَبِ، وَالْعَمُّ يُدْلِي بِالْجَدِّ. فَسَبَبُ الْخِلَافِ تَعَارُضُ الْقِيَاسِ فِي هَذَا الْبَابِ. فَإِنْ قِيلَ: فَأَيُّ الْقِيَاسَيْنِ أَرْجَحُ بِحَسَبِ النَّظَرِ الشَّرْعِيِّ؟
قُلْنَا: قِيَاسُ مَنْ سَاوَى بَيْنَ الْأَبِ وَالْجَدِّ، فَإِنَّ الْجَدَّ أَبٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ، كَمَا أَنَّ الِابْنَ ابْنٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ، وَإِذَا لَمْ يَحْجُبِ الِابْنُ الْجَدَّ وَهُوَ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ، فَالْجَدُّ يَجِبُ أَنْ يَحْجُبَ مَنْ يَحْجُبُ الِابْنُ، وَالْأَخُ لَيْسَ بِأَصْلٍ لِلْمَيِّتِ وَلَا فَرْعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُشَارِكٌ لَهُ فِي الْأَصْلِ، وَالْأَصْلُ أَحَقُّ بِالشَّيْءِ مِنَ الْمُشَارِكِ لَهُ فِي الْأَصْلِ، وَالْجَدُّ لَيْسَ هُوَ أَصْلًا لِلْمَيِّتِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ بَلْ هُوَ أَصْلُ أَصْلِهِ، وَالْأَخُ يَرِثُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ فَرْعٌ لِأَصْلِ الْمَيِّتِ، فَالَّذِي هُوَ أَصْلٌ لِأَصْلِهِ أَوْلَى مِنَ الَّذِي هُوَ فَرْعٌ لِأَصْلِهِ، وَلِذَلِكَ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْأَخَ يُدْلِي بِالْبُنُوَّةِ، وَالْجَدَّ يُدْلِي بِالْأُبُوَّةِ، فَإِنَّ الْأَخَ لَيْسَ ابْنًا لِلْمَيِّتِ وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ أَبِيهِ، وَالْجَدُّ أَبُو الْمَيِّتِ، وَالْبُنُوَّةُ إِنَّمَا هِيَ أَقْوَى فِي الْمِيرَاثِ مِنَ الْأُبُوَّةِ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ بِعَيْنِهِ (أَعْنِي: الْمَوْرُوثَ).
وَأَمَّا الْبُنُوَّةُ الَّتِي تَكُونُ لِأَبٍ مَوْرُوثٍ، فَلَيْسَ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ فِي حَقِّ الْمَوْرُوثِ أَقْوَى مِنَ الْأُبُوَّةِ الَّتِي تَكُونُ لِأَبِ الْمَوْرُوثِ، لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ الَّتِي لِأَبِ الْمَوْرُوثِ هِيَ أُبُوَّةُ مَا لِلْمَوْرُوثِ (أَعْنِي: بَعِيدَةً)، وَلَيْسَ الْبُنُوَّةُ الَّتِي لِأَبِ الْمَوْرُوثِ بُنُوَّةَ مَا لِلْمَوْرُوثِ لَا قَرِيبَةً وَلَا بَعِيدَةً. فَمَنْ قَالَ الْأَخُ أَحَقُّ مِنَ الْجَدِّ، لِأَنَّ الْأَخَ يُدْلِي بِالشَّيْءِ الَّذِي مِنْ قِبَلِهِ كَانَ الْمِيرَاثُ بِالْبُنُوَّةِ وَهُوَ الْأَبُ، وَالْجَدَّ يُدْلِي بِالْأُبُوَّةِ هُوَ قَوْلٌ غَالِطٌ مُخَيَّلٌ، لِأَنَّ الْجَدَّ أَبٌ مَا، وَلَيْسَ الْأَخُ ابْنًا مَا. وَبِالْجُمْلَةِ الْأَخُ لَاحِقٌ مِنْ لَوَاحِقِ الْمَيِّتِ، وَكَأَنَّهُ أَمْرٌ عَارِضٌ وَالْجَدُّ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِهِ، وَالسَّبَبُ أَمْلَكُ لِلشَّيْءِ مِنْ لَاحِقِهِ. وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ وَرَّثُوا الْجَدَّ مَعَ الْإِخْوَةِ فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ. فَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَعَهُ سِوَى الْإِخْوَةِ ذُو فَرْضٍ مُسَمًّى أَوْ لَا يَكُونَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ مُسَمًّى أُعْطِيَ الْأَفْضَلَ لَهُ مِنِ اثْنَيْنِ، إِمَّا ثُلُثَ الْمَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَوَاحِدٍ مِنَ الْإِخْوَةِ الذُّكُورِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِخْوَةُ ذُكْرَانًا أَوْ إِنَاثًا أَوِ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فَهُوَ مَعَ الْأَخِ الْوَاحِدِ يُقَاسِمُهُ الْمَالَ، وَكَذَلِكَ مَعَ الِاثْنَيْنِ وَمَعَ الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ يَأْخُذُ الثُّلُثَ، وَهُوَ مَعَ الْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ إِلَى الْأَرْبَعِ يُقَاسِمُهُنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَمَعَ الْخَمْسِ أَخَوَاتٍ لَهُ الثُّلُثُ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُ لَهُ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ، فَهَذِهِ هِيَ حَالُهُ مَعَ الْإِخْوَةِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِمْ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ مُسَمًّى فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِأَهْلِ الْفُرُوضِ فَيَأْخُذُونَ فُرُوضَهُمْ، فَمَا بَقِيَ أُعْطِيَ الْأَفْضَلَ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ: إِمَّا ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ حُظُوظِ ذَوِي الْفَرَائِضِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ ذَكَرٍ مِنَ الْإِخْوَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُعْطَى السُّدُسَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ، ثُمَّ مَا بَقِيَ يَكُونُ لِلْإِخْوَةِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فِي الْأَكْدَرِيَّةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُ مَذْهَبَهُ فِيهَا مَعَ سَائِرِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ.
وَأَمَّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَ يُعْطِي الْجَدَّ الْأَحْظَى لَهُ مِنَ السُّدُسِ أَوِ الْمُقَاسَمَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَعَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ غَيْرُهُمْ مِنْ ذَوِي الْفَرَائِضِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْقُصْهُ مِنَ السُّدُسِ شَيْئًا، لِأَنَّهُمْ لَمَّا أَجْمَعُوا أَنَّ الْأَبْنَاءَ لَا يَنْقُصُونَهُ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ أَحْرَى أَنْ لَا يَنْقُصَهُ الْإِخْوَةُ. وَعُمْدَةُ قَوْلِ زَيْدٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ فَلَمْ يَحْجُبْ عَمَّا يَجِبُ لَهُمْ وَهُوَ الثُّلُثُ، وَبِقَوْلِ زَيْدٍ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، وَبَقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَأَمَّا الْفَرِيضَةُ الَّتِي تُعْرَفُ بِالْأَكْدَرِيَّةِ تعريفها وَهِيَ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتًا شَقِيقَةً وَجَدًّا، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِيهَا، فَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنُ مَسْعُودٍ يُعْطِيَانِ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَلِلْأُمِّ السُّدُسَ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ وَلِلْجَدِّ السُّدُسَ، وَذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْعَوْلِ. وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَزَيْدٌ يَقُولَانِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ فَرِيضَةً، إِلَّا أَنَّ زَيْدًا يَجْمَعُ سَهْمَ الْأُخْتِ وَالْجَدِّ، فَيَقْسِمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ قَوْلِ زَيْدٍ، وَضَعَّفَ الْجَمِيعُ التَّشْرِيكَ الَّذِي قَالَ بِهِ زَيْدٌ فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ، وَبِقَوْلِ زَيْدٍ قَالَ مَالِكٌ. وَقِيلَ إِنَّمَا سُمِّيَتِ الْأَكْدَرِيَّةَ لِتَكَدُّرِ قَوْلِ زَيْدٍ فِيهَا، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى الْعَوْلَ، وَبِالْعَوْلِ قَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، إِلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَعَالَ الْفَرَائِضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ قَدَّمَ مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ وَأَخَّرَ مَنْ أَخَّرَ اللَّهُ مَا عَالَتْ فَرِيضَةٌ، وَقِيلَ لَهُ: وَأَيُّهَا قَدَّمَ اللَّهُ، وَأَيُّهَا أَخَّرَ اللَّهُ؟
قَالَ: كُلُّ فَرِيضَةٍ لَمْ يُهْبِطْهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ مُوجَبِهَا إِلَّا إِلَى فَرِيضَةٍ أُخْرَى فَهِيَ مَا قَدَّمَ اللَّهُ، وَكُلُّ فَرِيضَةٍ إِذَا زَالَتْ عَنْ فَرْضِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا إِلَّا مَا بَقِيَ فَتِلْكَ الَّتِي أَخَّرَ اللَّهُ فَالْأَوَّلُ مِثْلُ الزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ، وَالْمُتَأَخِّرُ مِثْلُ الْأَخَوَاتِ وَالْبَنَاتِ، قَالَ: فَإِذَا اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ بُدِئَ مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَلِمَنْ أَخَّرَ اللَّهُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ، قِيلَ لَهُ: فَهَلَّا قُلْتَ هَذَا الْقَوْلَ لِعُمَرَ: قَالَ: هِبْتُهُ. وَذَهَبَ زَيْدٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ الشَّقَائِقِ إِخْوَةٌ لِأَبٍ، أَنَّ الْإِخْوَةَ الشَّقَائِقَ يُعَادُونَ الْجَدَّ بِالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ، فَيَمْنَعُونَهُ بِهِمْ كَثْرَةَ الْمِيرَاثِ، وَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْإِخْوَةِ الشَّقَائِقِ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّقَائِقُ أُخْتًا وَاحِدَةً، فَإِنَّهَا تُعَادِي الْجَدَّ بِأُخُوَّتِهَا لِلْأَبِ مَا بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ فَرِيضَتَهَا - وَهِيَ النِّصْفُ -، وَإِنْ كَانَ فِيمَا يُحَازُ لَهَا وَلِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا فَضْلٌ عَنْ نِصْفِ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَهُوَ لِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ عَلَى النِّصْفِ فَلَا مِيرَاثَ لَهُمْ. فَأَمَّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَ لَا يَلْتَفِتُ هُنَا لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِلْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ الشَّقَائِقَ يَحْجُبُونَهُمْ، وَلِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ أَيْضًا مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ، (أَعْنِي: أَنْ يَحْتَسِبَ بِمَنْ لَا يَرِثُ). وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي الْفَرِيضَةِ الَّتِي تُدْعَى الْخَرْقَاءَ أحوال في الميراث، (وَهِيَ: أُمٌّ وَأُخْتٌ وَجَدٌّ) عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ. فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ وَالْبَاقِيَ لِلْجَدِّ وَحَجَبُوا بِهِ الْأُخْتَ، وَهَذَا عَلَى رَأْيِهِمْ فِي إِقَامَةِ الْجَدِّ مَقَامَ الْأَبِ. وَذَهَبَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ وَمَا بَقِيَ لِلْجَدِّ. وَذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ وَلِلْأُخْتِ الثُّلُثَ وَلِلْجَدِّ الثُّلُثَ. وَذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى أَنَّ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ وَلِلْجَدِّ الثُّلُثَ وَلِلْأُمِّ السُّدُسَ، وَكَانَ يَقُولُ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أُفَضِّلَ أُمًّا عَلَى جَدٍّ. وَذَهَبَ زَيْدٌ إِلَى أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ وَمَا بَقِيَ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُخْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.

.مِيرَاثُ الْجَدَّاتِ:

وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْجَدَّةِ أَمِّ الْأُمِّ السُّدُسَ مَعَ عَدَمِ الْأُمِّ، وَأَنَّ لِلْجَدَّةِ أَيْضًا أُمِّ الْأَبِ عِنْدَ فَقْدِ الْأَبِ السُّدُسَ، فَإِنِ اجْتَمَعَا كَانَ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، فَذَهَبَ زَيْدٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ إِلَى أَنَّ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأُمِّ يُفْرَضُ لَهَا السُّدُسُ فَرِيضَةً، فَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْجَدَّتَانِ كَانَ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا إِذَا كَانَ قُعْدُدُهُمَا سَوَاءً، أَوْ كَانَتْ أَمُّ الْأَبِ أَقْعَدَ، فَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الْأُمِّ أَقْعَدَ (أَيْ: أَقْرَبَ إِلَى الْمَيِّتِ) كَانَ لَهَا السُّدُسُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْجَدَّةِ أُمِّ الْأَبِ شَيْءٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَيُّهُمَا أَقْعَدُ كَانَ لَهَا السُّدُسُ، وَبِهِ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَهَؤُلَاءِ لَيْسَ يُوَرِّثُونَ إِلَّا هَاتَيْنِ الْجَدَّتَيْنِ الْمُجْتَمَعَ عَلَى تَوْرِيثِهِمَا. وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ يُوَرِّثَانِ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ: وَاحِدَةٌ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَاثْنَتَانِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ: أُمُّ الْأَبِ، وَأُمُّ أَبِي الْأَبِ (أَعْنِي: الْجَدَّ). وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُوَرِّثُ أَرْبَعَ جَدَّاتٍ: أُمُّ الْأُمِّ، وَأُمُّ الْأَبِ، وَأُمُّ أَبِي الْأَبِ (أَعْنِي: الْجَدَّ)، وَأُمُّ أَبِي الْأُمِّ (أَعْنِي: الْجَدَّ)، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُشْرِكُ بَيْنَ الْجَدَّاتِ فِي السُّدُسِ دُنْيَاهُنَّ وَقُصْوَاهُنَّ مَا لَمْ تَكُنْ تَحْجُبُهَا بِنْتُهَا أَوْ بِنْتُ بِنْتِهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُسْقِطُ الْقُصْوَى بِالدُّنْيَا إِذَا كَانَتَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْجَدَّةَ كَالْأُمِّ إِذَا لَمْ تَكُنْ أُمٌّ، وَهُوَ شَاذٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلَكِنْ لَهُ حَظٌّ مِنَ الْقِيَاسِ. فَعُمْدَةُ زَيْدٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالشَّافِعِيِّ، وَمَنْ قَالَ بِمَذْهَبِ زَيْدٍ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ أَنَّهُ قَالَ: «جَاءَتِ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَسْأَلُهُ عَنْ مِيرَاثِهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْءٌ وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ، فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا السُّدُسَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟
فَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ، فَأَنْفَذَهُ أَبُو بَكْرٍ لَهَا، ثُمَّ جَاءَتِ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا، فَقَالَ لَهَا: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْءٌ، وَمَا كَانَ الْقَضَاءُ الَّذِي قَضَى بِهِ إِلَّا لِغَيْرِكَ، وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ، وَلَكِنَّهُ ذَلِكَ السُّدُسُ، فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا فِيهِ فَهُوَ لَكُمَا، وَأَيَّتُكُمَا انْفَرَدَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا»
. وَرَوَى مَالِكٌ أَيْضًا أَنَّهُ أَتَتِ الْجَدَّتَانِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ السُّدُسَ لِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَمَا إِنَّكَ تَتْرُكُ الَّتِي لَوْ مَاتَتْ وَهُوَ حَيٌّ كَانَ إِيَّاهَا يَرِثُ، فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا. قَالُوا: فَوَاجِبٌ أَنْ لَا يَتَعَدَّى فِي هَذَا هَذِهِ السُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ.
وَأَمَّا عُمْدَةُ مَنْ وَرَّثَ الثَّلَاثَ جَدَّاتٍ فَحَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَّثَ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ: اثْنَتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَوَاحِدَةً مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ.
وَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَعُمْدَتُهُ الْقِيَاسُ فِي تَشْبِيهِهَا بِالْجَدَّةِ لِلْأَبِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ يُعَارِضُهُ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَحْجُبُ الْجَدَّةَ لِلْأَبِ ابْنُهَا وَهُوَ الْأَبُ، فَذَهَبَ زَيْدٌ إِلَى أَنَّهُ يَحْجُبُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُدُ، وَقَالَ آخَرُونَ: تَرِثُ الْجَدَّةُ مَعَ ابْنِهَا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ وَعَطَاءٌ، وَابْنُ سِيرِينَ وَأَحْمَدُ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ الْمِصْرِيِّينَ. وَعُمْدَةُ مَنْ حَجَبَ الْجَدَّةَ بِابْنِهَا أَنَّ الْجَدَّ لَمَّا كَانَ مَحْجُوبًا بِالْأَبِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْجَدَّةُ أَوْلَى بِذَلِكَ. وَأَيْضًا فَلَمَّا كَانَتْ أُمُّ الْأُمَّ لَا تَرِثُ بِإِجْمَاعٍ مَعَ الْأُمِّ شَيْئًا كَانَ كَذَلِكَ أَمُّ الْأَبِ مَعَ الْأَبِ. وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي مَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَوَّلُ جَدَّةٍ أَعْطَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُدُسًا جَدَّةٌ مَعَ ابْنِهَا وَابْنُهَا حَيٌّ قَالُوا: وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ لَمَّا كَانَتِ الْأُمُّ وَأُمُّ الْأُمِّ لَا يُحْجَبْنَ بِالذُّكُورِ كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُ جَمِيعِ الْجَدَّاتِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَالِكًا لَا يُخَالِفُ زَيْدًا إِلَّا فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ، (وَهِيَ: امْرَأَةٌ هَلَكَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا، وَأُمًّا، وَإِخْوَةً لِأُمٍّ، وَإِخْوَةً لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَجَدًّا)، فَقَالَ مَالِكٌ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْجَدِّ مَا بَقِيَ وَهُوَ الثُّلُثُ، وَلَيْسَ لِلْإِخْوَةِ الشَّقَائِقِ شَيْءٌ، وَقَالَ زَيْدٌ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَمَا بَقِيَ لِلْإِخْوَةِ الشَّقَائِقِ، فَخَالَفَ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَصْلَهُ مِنْ أَنَّ الْجَدَّ لَا يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ الشَّقَائِقَ وَلَا الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ. وَحُجَّتُهُ أَنَّهُ لَمَّا حَجَبَ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ عَنِ الثُّلُثِ الَّذِي كَانُوا يَسْتَحِقُّونَهُ دُونَ الشَّقَائِقِ كَانَ هُوَ أَوْلَى بِهِ.
وَأَمَّا زَيْدٌ فَعَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّهُ لَا يَحْجُبُهُمْ.

.بَابٌ فِي الْحَجْبِ:

وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَخَ الشَّقِيقَ يَحْجُبُ الْأَخَ لِلْأَبِ، وَأَنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ يَحْجُبُ بَنِي الْأَخِ الشَّقِيقِ، وَأَنَّ بَنِي الْأَخِ الشَّقِيقِ يَحْجُبُونَ أَبْنَاءَ الْأَخِ لِلْأَبِ، وَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ بَنِي ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، وَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ، وَابْنُ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ الشَّقِيقِ أَوْلَى مِنِ ابْنِ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَحْجُبُونَ بَنِيهِمْ، وَمَنْ حَجَبَ مِنْهُمْ صِنْفًا فَهُوَ يَحْجُبُ مَنْ يَحْجُبُهُ ذَلِكَ الصِّنْفُ. وَبِالْجُمْلَةِ، أَمَّا الْإِخْوَةُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ يَحْجُبُ الْأَبْعَدَ، فَإِذَا اسْتَوَوْا حَجَبَ مِنْهُمْ مَنْ أَدْلَى بِسَبَبَيْنِ (أُمٍّ وَأَبٍ) مَنْ أَدْلَى بِسَبَبٍ وَاحِدٍ (وَهُوَ الْأَبُ فَقَطْ)، وَكَذَلِكَ الْأَعْمَامُ الْأَقْرَبُ مِنْهُ يَحْجُبُ الْأَبْعَدَ، فَإِنِ اسْتَوَوْا حَجَبَ مِنْهُمْ مَنْ يُدْلِي مِنْهُمْ إِلَى الْمَيِّتِ بِسَبَبَيْنِ مَنْ يُدْلِي بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، (أَعْنِي: أَنَّهُ يُحْجَبُ الْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِأَبٍ وَابْنُ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخُو الْأَبِ لِأَبٍ فَقَطْ). وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ الشَّقَائِقَ وَالْإِخْوَةَ لِلْأَبِ يَحْجُبُونَ الْأَعْمَامَ، لِأَنَّ الْإِخْوَةَ بَنُو أَبِ الْمُتَوَفَّى، وَالْأَعْمَامَ بَنُو جَدِّهِ، وَالْأَبْنَاءُ يَحْجُبُونَ بَنِيهِمْ، وَالْآبَاءُ أَجْدَادُهُمْ، وَالْبَنُونَ وَبَنُوهُمْ يَحْجُبُونَ الْإِخْوَةَ، وَالْجَدُّ يَحْجُبُ مَنْ فَوْقَهُ مِنَ الْأَجْدَادِ بِإِجْمَاعٍ، وَالْأَبُ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ وَيَحْجُبُ مَنْ تَحْجُبُهُ الْإِخْوَةُ، وَالْجَدُّ يَحْجُبُ الْأَعْمَامَ بِإِجْمَاعٍ وَالْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ، وَيَحْجُبُ بَنُو الْإِخْوَةِ الشَّقَائِقِ بَنِي الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ، وَالْبَنَاتِ وَبَنَاتُ الْبَنِينَ يَحْجُبْنَ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ تَرَكَ ابْنَيْ عَمِّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِلْأُمِّ، فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: لِلْأَخِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ وَهُوَ فِي بَاقِي الْمَالِ مَعَ ابْنِ الْعَمِّ الْآخَرِ عَصَبَةٌ يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَزَيْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ قَوْمٌ: الْمَالُ كُلُّهُ لِابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ يَأْخُذُ سُدُسَهُ بِالْأُخُوَّةِ وَبَقِيَّتَهُ بِالتَّعْصِيبِ، لِأَنَّهُ قَدْ أَدْلَى بِسَبَبَيْنِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنَ الصَّحَابَةِ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ دَاوُدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالطَّبَرِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ.